اختراع العزلة – بول اوستر

“يفتتح بول أوستر كتاب (اختراع العزلة)، والذي يمثل الجزء الأول من
ثلاثة أجزاء، هي كامل مذكراته، بفصل (بوروتريه لرجل غير مرئي)، ويكتب فيه:
«يحدث في أحد الأيام، أن تعثر على الحياة أمامك، رجلٌ مثلاً في أفضل صحة،
ليس مسنًّا على الإطلاق ولم يعرف الأمراض يوما، يبدو له أن كل شيء حوله
باقٍ على حاله وسيبقى هكذا إلى الأبد، يمضي من يومٍ لآخر، معتنيا بشؤونه
الخاصة، حالما، بالحياة الممتدة أمامه دون نهاية، وحينها، بغتة، تعثر على
الموت؛ رجلٌ يتيح لتنهيدة صغيرة أن تخرج منه، ثم ينهار على مقعده، إنه
الموت»، في الكتاب نلحظ أيضا، كيف يصنع بول أوستر من حدث الموت الطبيعي
لوالده، صراعا تكون اللغة واحدة من ميادينه، نشعر بالتوتر في أقصاه، ونحن
نلاحقُ تتبع أوستر لسيرة العائلة، وخاصة الأب، الذي عادة ما ينظر له
الأبناء بقداسة، لكن بول أوستر، المتسمر أمام الآلة الكاتبة، يكتب هنا
بتجرد: «هنا سلسلة من الصور التقطت له أثناء سنوات ما قبل زواجه، إنها تعطي
حساباً دقيقاً لعدد من جوانب شخصيته التي قام بدفنها أثناء زواجه، هناك
جانب منه، لم ألحظه إلاّ بعد طلاقه من أمي: أبي المراوغ، المحب للتسلية
والمبتهج، أجده في سلسلة من اللقطات، واقفا إلى جانب فتيات يتخذن أوضاعاً
هزلية..»، ومن خلال تقليب الصور، يحكم بول أوستر على أبيه: «لا حدّ على
الإطلاق لقدرة أبي على المراوغة»، ليس فقط هذا ما يصفه أوستر به والده، بل
أيضاً، بالإهمال والتعنت «لكنه تحت هذا الغطاء كان يشعر بالألم»، يعترف
أوستر، وخاصة في الجزء المخصص لمرض أخته، كاتبًا: «استطعتُ غير مرة عندما
كنّا نناقش وضع أختي هاتفيا، من سماع النبرة الخافتة لانكسار صوته، كأنه
يحاول أن يكتم نحيبا». من مقالة لـ علي سعيد في جريدة الرياض السعودية
أكتب تعليق :